أثناء تقديمي إحدى الدورات عن “الثقة بالنفس” فاجأني سؤال إحدى الحاضرات: هل الثقة بالنفس تعتبر نرجسية؟
فأجبتها أولاً: أن لكل صفة إنسانية ثلاثة أوجه تظهر في تطرفها الإيجابي بوجه، وفي تطرفها السلبي بوجه، والوجه الحقيقي يكون في التوازن والبقاء في المنتصف، لا نميل للتطرف إيجاباً أو سلباً.
وأوجه الثقة بالنفس هي:
وجه التطرف الإيجابي: وهي الثقة الزائفة أو النرجسية
وجه التطرف السلبي: وهي انعدام الثقة بالنفس
وجه التوازن: الثقة بالنفس الحقيقة
ثانياً: أن كثير من الأشخاص لا يحبذون مصطلح الثقة بالنفس لعدة أسباب:
أ- تم برمجتهم على أن العناية بالذات أنانية وأن الأولوية لا بد أن تكون للآخر ولو على حساب نفسك ( تربية خاطئة )
ب- يخشون أن ينتشر الوعي وتوضع حدود شخصية للآخر وهم قد اعتادوا على تخطيها.
ج- يخلطون بين الثقة بالنفس؛ وهو مهارة من مهارات الحياة يُعرف أنه تيقن المرء شعورياً بقيمته واحتفاظه بصورة ذهنية إيجابية عن نفسه وسعيه لتحقيق أهدافه، و بین اضطراب الشخصية النرجسية؛ وهو اضطراب نفسي شائع يُظهر صاحبه ثقة مزيفة
ناشئة من عقدة نقص، تجعله يتصف بمجموعة من الصفات منها: أنه حساس جداً للنقد، متعصب لرأيه، ينسب فضل إنجازات الآخرين لنفسه، متلاعب لأنه غير مستقر عاطفياً، يسقط كرهه لذاته على المحيطين به بصيغة انتقادات حادة وقحة، ثم يعرض
عليهم المساعدة والخدمات ليظهر بمظهر الشهم وينشئ رابط الصدمة (١) بينه وبين ضحاياه.
يظهر بمظهر العاقل وهو بنفسية طفل، يرفض تجاوز صدماته، يظهر بمظهر الحكيم و تتسم أفعاله بالفوضى وسلوكياته بالحمق.
هذا ما يجعل الناس تحتار أو ترتبك في تصنيفه
وهو غير قادر على التعاطف الإنساني السليم، لا تهمه العواقب، ويتقصد أذية الآخرين للانتقام لنفسه، ويستغل نقاط ضعف الآخرين حين لا يحصل منهم على ردات الفعل التي تشعره بأهميته وتدعم نرجسيته!
ولأنه كما ذكرنا بنفسية طفل فهو يرى نفسه غير مسؤول عن سلوكياته واختياراته في الحياة.. لذا يمنع نفسه عن التغيير بعناد إبليس ويظهر للناس بمظهر “الضحية”
كما نعلم أن كل اضطراب نفسي يحقق فوائد نفسية للمريض، فبالنسبة للنرجسي مظهر الضحية يحقق له:
١- لفت الانتباه
٢- جذب التعاطف من المخدوعين بتمثيله وزيفه وكذبه الغير واقعي.
٣- يبقيه غير مسؤول لأنه ضحية الظروف والأهل والأصدقاء والحياة… الخ
٤- يعرضه للاستغلال المادي، والعجيب أنه يعشق الاستغلال؛ لأن طاقة المسكنة والتذلل التي تصدر من المستغلين تناسب فجوة نقصه، تناسب الهوة السحيقة من الألم وكره الذات واحتقار النفس، فتسكن آلامه ويشعر بتفوقه.
الواثق من نفسه، البارز، الذي يعمل ويسعى ويحقق أهدافه، يستفز النرجسي ويثير غيرته وحسده فيتهمه النرجسي بأنه مغرور، متكبر، وهذا إسقاط لما في داخله، فهو يعلم أن الواثق الحقيقي: واثق من حقيقته، متصل بالله، مسيطر على نفسه،
حازم، قوي من الداخل، بينما الواثق المزيف مثله: فارغ، هش نفسياً، غير حقيقي، ينكر مسؤوليته الشخصية، يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين، له وجهين، وهو يشعر بالعار الشديد لكنه يمثل دور الواثق!!
الثقة بالنفس هي درع الحماية من هجمات المختلين الذين يقتاتون على طاقات الآخرين ونجاحاتهم، لأنهم يختارون العجز واليأس والفشل والتخلي عن مسؤولية أنفسهم.
رعاية النفس والاهتمام بها، تحمل مسؤوليتها، الثقة بها المستمدة من ثقتنا بالله خالقها، ومبدئها ومعيدها، كل ذلك هو ما يمنع انشقاق المرء عن نفسه وتحوله لشخصية نرجسية تكره نفسها، تدمر ما حولها، ثم تتدعي البراءة من أفعالها لكنها ترفض
التغيير، ترفض الاعتراف، ترفض الاعتذار وكل ذلك منشأه هو رفض الذات.
___________________________
(١) رابط الصدمة: حب مثالي مبالغ فيه ثم إيذاء نفسي مبطن ثم إعطاء حب وتودد بسيط ثم إيذاء نفسي ظاهر بممارسة الصمت أو الهجر مما يربط الضحية بعلاقة إدمانية مع النرجسي.
بقلم: مروج القرني| حساب تويتر: @mourooj